وُجِدَت هذه الوثيقة في صندوق من أوراقٍ مهترئة، في أطلال مدرسة قديمة قرب نيشابور. رائحة الورق تنطق بالزمن، وحبر الحروف يهمس بالخوف. التوقيع: مولى إبن سعيد الخير. سنة الهجرة 1294.
في مكائد الشيطان،
أو كيف غزى الجنيّات أرض الفُطام؟
باسم الله الرؤوف، لكن ليس السذّج.
أنا عبد الحقير، أكتب هذه السطور لأولئك الذين لم يغفو بعد، قبل أن تُظلم أعينهم. قِبل أن تُسيطر عليهم هالة القمر وتغفو عقولهم.
1. على استعمار الشيطان للرموز
حينما فشل الشيطان في الغزو بالقوة، لجأ إلى الرموز. لم يحرم العبادة، بل حوّل اتجاهها.
في القديم كنا نُصلي نحو الشمس، نحو النور، نحو الحياة. كما يفعل الأنبياء، الطيور، النباتات، والأطفال.
ولكن اليوم يُقال لنا: قفة منصوبة، وجه إلى الأسفل، وذييّة نحو السماء،
وهذا يقال له إخلاص.
لمن تُظهرون هذه الورك؟ لله أم لمن في الأسفل؟
2. كيف ابتلعت الكعبة الكرة
كانت المساجد تبنى لتتجه إلى الشرق. الشرق—مصدر الشمس، مصدر النور.
الآن نصلي على الـغرب من المشرق، نحو كتلة سوداء، عبارة عن مكعب لا نافذة فيه.
في كتب الحكمة القديمة (حتى عند أهل الذكر) يظهر الله في ضوءٍ أو غيمةٍ أو وهجٍ، وليس في كرة سوداء صلبة.
الشيطان يعشق الهياكل السود، ذات الزوايا الحادة، بلا مخرج. وليس عبثاً أن سجن النار يوصف بأنه حجر بين جدران.
كيف يُسكن الله الأبيض في مكعب أسود؟
3. تحوّلنا إلى عبيد القمر
جدّد قومًا قديماً، فزيّنوا «القمر» رمزًا للإيمان. والقمر—لا يُصدر نورًا، إنما يعكس.
ولا نسأل: من صاحب النور الأصلي؟ وكان يجب أن نسأل.
الشمس—ساطعة، دافئة، تفيض حياةً.
لكن القمر—بارد، خادع، أنثوي، متغير.
رمز الإيمان صار مرآة أنثوية: ليست حقيقة، بل انعكاسها.
والمآذن تُزيَّن بـ»هلال»—أداة الحصاد. بالسِّكّة تُذرى النفوس.
4. كيف حُرِمنا النور
في رمضان يُقال لنا: لا تأكلوا مع شمس النهار.
والنور — صار خطيئة. نصوم عند الظل وكأننا مصّاصو دماء.
لكن: هل ورد في كتاب الرحمن أن تقديم الطعام أثناء النهار هو ذنب؟
وأن نختبئ من النور، كأننا لصوص؟
النور هو الحق. الليل هو الكذب. بينما رمضان اليوم هو احتفال الظلام. نبدأ الصلاة الساعة الرابعة صباحًا، ونفطر الساعة العاشرة مساءً، ونسكن الظلال ونعيش في العتمة.
5. الأموال التي لم يطلبها الرحمن
قديمًا، كان عبادة الله بالقلب والعمل والصدق.
الآن صرنا نعبد بالمال.
شراء الحلال، دفع الزكاة، تبرّعات، شراء السجاد—كلٌ باسم الرحمن.
بالأمس كان النبي يسير دون مال، حافيًا، وهو حامل ختم الحق.
والآن لا يمضي يوم دون حساب بنكي تحت العين الإلهية وعلى لسان الشيطان في مجلس الحساب.
6. جِنٌّ تسلّل تحت المآذن
أظن أن المآذن ظلت وسيلة نداء إلى السماء؟
لا، إنها اليوم هوائيات.
في زمننا كانوا يصرخون من أعلى ليستغيثوا بالسماء، واليوم يذيعون من الأعالي إلى باطن الأرض.
تحت هذا الطين يجثم شيطان، يهمس في المُكبرات، يوجه المؤمنين ليس نحو النور، بل في دوّرة.
7. مقتطفات من الوحي القديم (قبل أن تزيّفه أيدي الجند الشياطين):
«إِنما وَجْهُ اللَّهِ هُوَ هُوَ النُّورُ الأَكْبَر»
«وَلا تَتَوَلَّى عَن النُّورِ، فَإِن أَرَدتَ أن تُرى»
«الشيطان ماهر في التبديل: يجعل اليمين يسارًا، والعلو منخفضًا»
خاتمة
احذروا الرموز. الشيطان لا يقتلك، بل يُقلّبك على وجهك.
لا يمنعك من الصلاة—بل يدفعك بالظهر نحو السماء.
لا يُغلق المآذن، بل يعلّق عليها المرايا.
ولا يسرق الحقيقة، إنما يُهديك انعكاسها.
تذكّر: ليس كل ما بدا دينيًا هو جوهر الدين. في بعض الأحيان، إنها سحر قديم بصبغة جديدة.
— مولى إبن سعيد الخير،
من الذين لم يستسلموا بعد لقمر الجهل.
Просмотров: 15Комментарии: 0